سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


في هذه الآية تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها، وذكر تعالى حال الدنيا وكيف استقر تزيين شهواتها، ثم جاء الإنباء بخير من ذلك، هازاً للنفوس وجامعاً لها لتسمع هذا النبأ المستغرب النافع لمن عقل، وأنبئ: معناه أخبر، وذهبت فرقة من الناس إلى أن الكلام الذي أمر النبي صلى عليه السلام بقوله تم في قوله تعالى: {عند ربهم} و{جنات} على هذا مرتفع بالابتداء المضمر تقديره: ذلك جنات، وذهب آخرون إلى أن الكلام تم في قوله: {من ذلكم} وأن قوله {للذين} خبر متقدم، و{جنات} رفع بالابتداء، وعلى التأويل الأول يجوز في {جنات} الخفض بدلاً من خير، ولا يجوز ذلك على التأويل الثاني، والتأويلان محتملان، وقوله {من تحتها} يعني من تحت أشجارها وعلوها من الغرف ونحوها و{خالدين} نصب على الحال، وقوله: {وأزواج} عطف على الجنات وهو جمع زوج وهي امرأة الإنسان، وقد يقال زوجة، ولم يأت في القرآن، و{مطهرة}، معناه من المعهود في الدنيا من الأقذار والريب وكل ما يصم في الخلق والخلق، ويحتمل أن يكون الأزواج الأنواع والأشباه، والرضوان، مصدر من الرضى وفي الحديث عن النبي عليه السلام: أن أهل الجنة إذا استقروا فيها وحصل لكل واحد منهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال الله لهم: أتريدون أن أعطيكم ما هو أفضل من هذا؟ قالوا يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول الله تعالى: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً، هذا سياق الحديث، وقد يجيء مختلف الألفاظ والمعنى قريب بعضه من بعض، وفي قوله تعالى: {والله بصير بالعباد} وعد ووعيد.


{الذين} بدل من {الذين اتقوا} [آل عمران: 15]، فسر في هذه الآية أحوال المتقين الموعودين بالجنات، ويحتمل أن يكون إعراب قوله: {الذين} في هذه الآية على القطع وإضمار الابتداء ويحتاج إلى القطع وإضمار فعل في قوله: {الصابرين} والخفض في ذلك كله على البدل أوجه. ويجوز في {الذين}، وما بعده النصب على المدح؟ والصبر في هذه الآية معناه على الطاعات وعلى المعاصي والشهوات، والصدق معناه في الأقوال والأفعال، والقنوت، الطاعة والدعاء أيضاً وبكل يتصف المتقي، والإنفاق معناه في سبيل الله ومظان الأجر كالصلة للرحم وغيرها، ولا يختص هذا الإنفاق بالزكاة المفروضة، والاستغفار طلب المغفرة من الله تعالى، وخص تعالى السحر لما فسر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله، ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول، من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر.
وروي في تفسير قول يعقوب عليه السلام: سوف أستغفر لكم ربي، أنه أخر الأمر إلى السحر، وروي إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال: سمعت رجلاً في السحر في ناحية المسجد يقول: رب امرتني فأطعتك، وهذا سحر فاغفر لي، فنظرت فإذا ابن مسعود، وقال أنس بن مالك: أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة، وقال نافع: كان ابن عمر يحيي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع آسحرنا؟ فأقول-لا- فيعاود الصلاة ثم يسأل، فإذا قلت نعم قعد يستغفر، فلفظ الآية إنما يعطي طلب المغفرة، وهكذا تأوله من ذكرناه من الصحابة، وقال قتادة: المراد بالآية المصلون بالسحر، وقال زيد بن أسلم: المراد بها الذين يصلون صلاة الصبح في جماعة وهذا كله يقترن به الاستغفار، والسحر والسحر، بفتح الحاء وسكونها آخر الليل، قال الزجاج وغيره: هو قبل طلوع الفجر، وهذا صحيح لأن ما بعده الفجر هو من اليوم لا من الليلة، وقال بعض اللغوين: السحر من ثلث الليل الآخر إلى الفجر.
قال الفقيه الإمام: والحديث في التنزل هذه الآية في الاستغفار يؤيدان هذا، وقد يجيء في أشعار العرب ما يقتضي أن حكم السحر يستمر فيما بعد الفجر نحو قول امرئ القيس: [المتقارب]
يَعُلُّ بهِ بَرْدَ أنْيابِها *** إذا غَرَّدَ الطَّائِرُ المُسْتَحِرْ
يقال: أسحر واستحر إذا دخل في السحر، وكذلك قولهم: نسيم السحر، يقع لما بعد الفجر، وكذلك قول الشاعر: [ربيع بن زياد]
تجد النساء حواسراً يندبنه *** قد قمن قبل تبلج الأسحار
فقد قضى أن السحر يتبلج بطولع الفجر، ولكن حقيقة السحر في هذه الأحكام الشرعية من الاستغفار المحمود، ومن سحور الصائم، ومن يمين لو وقعت إنما هي من ثلث الليل الباقي إلى السحر.


أصل {شهد} في كلام العرب حضر، ومنه قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] ثم صرفت الكلمة حتى قيل في أداء ما تقرر علمه في النفس بأي وجه تقرر من حضور أو غيره: شهد يشهد فمعنى {شهد الله} أعلم عباده بهذا الأمر الحق وبينه، وقال أبو عبيدة: {شهد الله} معناه، قضى الله وهذا مردود من جهات، وقرأ جميع القراء: {أنه لا إله} بفتح الألف من {أنه} وبسكرها من قوله: {إن الدين} [آل عمران: 19] واستئناف الكلام، وقرأ الكسائي وحده {أن الدين} بفتح الألف، قال أبو علي: أن بدل من {أنه} الأولى، وإن شئت جعلته من بدل الشيء من الشيء وهو هو، لأن الإسلام هو التوحيد والعدل، وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل، وإن شئت جعلت {إن الدين} بدلاً من القسط لأنه هو في المعنى، ووجه الطبري هذه القراءة، بأن قدر في الكلام، واو عطف ثم حذفت وهي مرادة كأنه قال: {وإن الدين} [آل عمران: 19] وهذا ضعيف، وقرأ عبد الله بن العباس: {إنه لا إله إلا هو} بكسر الألف من {إنه}، وقرأ {أن الدين} بفتح الألف، فأعمل {شهد} في أن الدين وجاء قوله: إنه لا إله إلا هو اعتراضاً جميلاً في نفس الكلام المتصل، وتأول السدي الآية على نحو قراءة ابن عباس فقال: الله وملائكته والعلماء يشهدون: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19] وقرأ أبو المهلب عم محارب بن دثار، شهداء الله على وزن فعلاء، وبالإضافة إلى المكتوبة، قال أبو الفتح، هو نصب على الحال من الضمير في {المستغفرين} [آل عمران: 17] وهو جمع شهيد أو جمع شاهد كعالم وعلماء، وروي عن أبي المهلب هذا أنه قرأ شهدُ الله برفع الشهداء، وروي عنه أنه قرأ شُهُد {الله} على وزن- فُعُل- بضم الفاء والعين ونصب شهداء على الحال، وحكى النقاش أنه قرئ {شُهُد الله} بضم الشين والهاء، والإضافة إلىلمكتوبة قال: فمنهم من نصب الدال ومنهم من رفعها، وأصوب هذه القراءات قراءة الجمهور، وإيقاع الشهادة على التوحيد، و{الملائكة وأولو العلم} عطف على اسم الله تعالى، وعلى بعض ما ذكرناه من القراءات يجيء قوله: {والملائكة وأولو العلم} ايتداء وخبره مقدر، كأنه قال: {والملائكة وأولو العلم} يشهدون و{قائماً} نصب على الحال من اسمه تعالى في قوله: {شهد الله} أو من قوله {إلا هو} وقرأ ابن مسعود {القائم بالقسط} والقسط العدل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8